JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

الجزء الاخير : قصة انا وحيدة في هذه الدنيا -->

الجزء الاخير : قصة انا وحيدة في هذه الدنيا

 الجزء الاخير : قصة انا وحيدة في هذه الدنيا 



ـ سأُجري بعض الإتصالات بما يخصّكِ... قد أجدُ لكِ منزلا تعملين فيه بصورة دائمة، أي سقف يأويكِ وطعام يملأ بطنكِ. قبل أن أصبحَ سائق باص، كنتُ سائقًا خاصًّا لعائلة مُقتدِرة، فقد يكونوا بحاجة إلى أحد مثلكِ أو يعرفون أحدًا يبحث عن عاملة منزل. لا عليكِ.

 

ـ أشكرُكَ سيّدي مِن كلّ قلبي.

 

في اليوم نفسه، جاء رجلٌ بسيّارة جميلة وأخذَني. ودّعتُ صاحبَي البيت وشكرتُهما، ووعدَني سائق الباص بأنّه سيطمئنّ عليّ مِن وقت لآخر.

عمَلي عند الذين رحتُ إليهم كان شاقًّا، إذ أنّ البيت كان كبيرًا للغاية واتّكلَت العاملة الأخرى عليّ للقيام بمعظم الشغل. لَم أكن سعيدة أبدًا هناك، فلَم يُوجّه أي مِن أصحابه الكلام إليّ بل اعتبروني قسمًا مِن الأثاث. المال الذي قبضتُه كان وفيرًا نسبة لِما اعتدتُ له، فوضعتُه جانبًا. وعلى ماذا كنتُ سأصرفُه؟ وعدتُ نفسي بمغادرة عمَلي هذا حين أصبحُ جاهزة لذلك.

بقيَ سائق الباص على وعده لي، وجاء ليزورني مرّتَين أو ثلاث مرّات ثمّ اختفى، ربمّا بعدما استاءَت زوجته مِن إهتمامه بي.

مرَّت أربع سنوات على هذا النحو، وسئمتُ مِن معاملة الجميع لي، أيّ وكأنّني لا أحد. فمنذ ولادتي لَم أشعر بأنّ لي وجودًا بحدّ ذاتي أو حتى الحق بأن أعيشَ لنفسي، وقد حان الأوان لكسر تلك الحلقة. كنتُ قد أصبحتُ في الرابعة والعشرين مِن عمري، أي قادرة على تحديد مصيري كما أُريدُه وأملكُ بعض المال لتحقيق ذلك. قدّمتُ استقالتي التي قُبِلَت بسرعة، فكان مِن السهل على أرباب البيت إيجاد غيري وبسرعة. حمِلتُ حقيبتي مِن جديد ورحتُ إلى المدينة الكبرى وقلبي مليء بالأمل والخوف.

لدى وصولي سألتُ المارّة عن أرخص فندق موجود واستأجرتُ غرفة فيه. وضعتُ أمتعتي بسرعة في الخزانة ومشيتُ في الشوارع أبحثُ عن عمل في المحلات الموجودة على جانبَي الطريق. أكملتُ بحثي في الأيّام التي تلَت مِن دون أن أستسلِم لليأس الذي حاوَلَ دخول قلبي. لا! لن أكون تلك المخلوقة الضعيفة بعد ذلك! سأجدُ عملاً مهما كلّفَ الأمر!

تكلَّلَ بحثي بالنجاح بعد أسبوع، فوجدتُ أخيرًا محلاً للألبسة يُريدُ بائعة بمواصفاتي، فلا تنسوا أنّني لَم أُنهِ دراستي ولا أتكلّم سوى لغتي. الراتب لَم يكن جيّدًا إلا أنّه كان كافيًا في الوقت الحاضر. فقرّرتُ الإستفادة مِن ذلك العمل قدر المُستطاع لبناء خبرة كافية ونَيل ما هو أفضل في مكان آخر. وكان قراري في محلّه.

إستأجرتُ غرفة في منزل للفتيات وعشتُ مع طالبات جامعيّات نتقاسمُ كلّ شيء، ونمَت بيننا صداقة جميلة. للحقيقة، كانت تلك أوّل مرّة أتصادَق فيها مع أحد وشعرتُ بدفء في قلبي. مرَّت ثلاث سنوات وصِرتُ أكثر تمرّسًا في البَيع والتعامل مع الزبونات وتعلّمتُ كلمات وجملاً عديدة بالفرنسيّة والإنكليزيّة. إضافة إلى ذلك، ساعدَتني الطالبات بتعليمي المزيد.

جهزتُ أخيرًا للبحث عمّا هو أفضَل، ولَم يَخِب أملي فلقد وظفَّني أحد أصحاب تلك المحلات الكبيرة والأنيقة. وبعد سنتَين، صارَ لي مكان ليس بعيدًا عن عمَلي أعيشُ فيه لوحدي. وفي تلك الفترة بالذات شعرتُ بأنّني ارتحتُ أخيرًا مِن حياة البؤس.

خلال تلك السنوات لَم أسمَع مِن أمّي أو أخواتي أو مِن زوجي السابق طبعًا. كلّهم إرتاحوا منّي ونسوا أمري، ففعلتُ مثلهم، أي أنّني محوتُ مِن رأسي وقلبي ذكراهم، واعتبرتُ نفسي يتيمة الأبوَين وإبنة وحيدة وعزباء. إلا أنّني بقيتُ على اتصال بسائق الباص الذي لولاه، لنِمتُ في الشارع وصرتُ مُتشرّدة. لكنّ مرارة كبيرة حلَّت في قلبي إذ أنّه صارَ قاسيًا وباردًا، وعشتُ في وحدة مع أنّني كنتُ أرى مِن وقت لأخر تلك الطالبات اللواتي سرعان ما راحت كلّ واحدة منهنّ إلى مصيرها.

حين بلغتُ الثلاثين مِن عمري كنتُ في قمّة حياتي المهنيّة، لكنّ حياتي العاطفيّة بقيَت فارغة عن قصد. فكيف لي أن أضَع قلبي وأحاسيسي بين أيدي الناس، فكلّهم خذلوني. إلا أنّ الحبّ لا يطلبُ الإذن حين يأتي. فبالرّغم مِن مُحاولاتي العديدة لمقاومة أحاسيسي، فتحتُ قلبي لسامي الذي أحبَّني فعلاً. وقبِلتُ الزواج منه بعد أن تأكّدتُ مِن مشاعره تجاهي، إلا أنّني لَم أُخبره عن حياتي الصعبة بل قلتُ له إنّ ليس لدَيّ عائلة على الإطلاق. وبعد أن أفرغتُ قلبي له عمّا مرَرتُ به مذ كنتُ في السادسة عشرة مِن عمري، إستطعتُ أخيرًا الإنجاب وكأنّ التكلّم عن عذابي شفاني وفتَحَ الباب لمستقبل جميل للغاية.


أنجَبتُ مِن سامي إبنتَين جميلتَين وقرّرنا أنّ عليهما إنهاء دراستهما، وإيجاد عمل يُناسبهما والزواج حين تشاءان ومِن الذي يختاره قلبهما. فهكذا تُعامَل البنات وحسب!

 

حاورتها بولا جهشان

تعليقات
ليست هناك تعليقات

إرسال تعليق

add_comment

إرسال تعليق